أهمية برايل

برايل نافذة المكفوفين على العالم

هل تخيلت يوماً كيف يمكن أن تكون حياتنا دون القراءة والكتابة؟ تلك النعمة التي امتن الله بها على عباده حين قال: اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم”، وأقسم بها: ن، والقلم وما يسطرون.”  فالإنسان ما كان له أن يعمر الأرض ولا أن ينشئ حضارته لولا هذه الميزة.

وينطبق الأمر نفسه على المكفوفين، فطريقة برايل أصبحت من أهم الوسائل التي يستطيعون من خلالها التعرف على العالم من حولهم، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا أن الكفيف أكثر حاجة للقراءة والكتابة من غيره، لأنه أكثر احتياجاً لمعرفة العالم من حوله والحصول على نوع من الاستقلالية والخصوصية. فإذا كنت أخي القارئ ترى العالم بعينيك، فإن الكفيف يراه بأذنيه تارة وبأنامله تارة أخرى. فانطلق الكفيف مستعيناً بهذه الطريقة يقرأ ويكتب ويؤلف ليساهم في مسيرة تقدم البشرية ثقافياً وعلمياً وأدبياً.

صورة لعميد الأدب العربي طه حسين

وإذا كانت طريقة برايل مهمة للكفيف، فإن أهميتها تزيد بالنسبة للصم المكفوفين الذين لا يستطيعون الاستفادة من أي محتوى مسموع، فليس لهم إلا برايل خياراً وحيداً لا بديل عنه.

صورة لأصم كفيف يستخدم جهاز برايل

برايل في عصر التقنية الحديثة

يجادل البعض أن طريقة برايل قد أصبحت حالياً أداة أقل أهمية للكفيف، وذلك في ظل تطور الوسائل التكنولوجية الرقمية للوصول إلى المحتوى بشكل مسموع، كوجود برامج لقراءة الشاشة على كافة أنظمة الحواسب والهواتف الذكية. ولكن هذا غير صحيح، فإن أكثر من 150 مليون كفيف حول العالم ما زالوا إلى اليوم يستخدمون طريقة برايل لأسباب عديدة. ولعل الوجه الأكبر لأهمية برايل يكمن في محو أمية الإنسان الكفيف، فبهذه الطريقة يستطيع أن يتعلم هجاء الكلمات وعلامات الترقيم ويتصور ذهنياً طريقة تنسيق النص على الصفحة.

لقد وفرت الكتب الصوتية والوسائل المسوعة الأخرى مصدراً إضافياً ممتازاً للتعلم، على أن الاستماع ليس مرادفاً للقراءة، فقد أظهرت الدراسات أن الطلاب الذين يتقنون طريقة برايل لديهم مهارات قراءة وكتابة متقدمة عن نظرائهم الذين لا يُتقنون برايل.  تمتد أهمية برايل لتشمل الجانب الوظيفي، فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة لويزيانا تيك Louisiana Tech University أن المكفوفين الذين يجيدون القراءة بطريقة برايل لديهم فرص أكبر في الحصول على وظيفة.

الجدير بالذكر أن طريقة  برايل  أيضا قد نالت نصيبها من التطور التكنولوجي، فقد سهلت التكنولوجيا الوصول إليها لتصبح متوفرة في أجهزة محمولة صغيرة الحجم، وذلك بفضل مفكرات برايل الإلكترونية وبرامج تحويل النص العادي إلى برايل وشاشات عرض برايل التي تستخدم مع أجهزة الكمبيوتر.

صورة شخص يستخدم جهاز برايل إلكتروني

أوجه الاستفادة من برايل

كما أشرنا سابقاً، فإن طريقة برايل هي الأسلوب الوحيد الذي يُمكِّن الشخص الذي لا يستطيع الوصول إلى المواد المطبوعة من القراءة والكتابة بشكل فعلي، وفيما يلي نذكر بعض الأوجه والمواقف التي يستخدم فيها المكفوفون طريقة برايل:

    • قراءة القرآن الكريم: فقط باستخدام طريقة برايل  يستطيع الكفيف تلاوة القرآن الكريم وقت ما يشاء. وتوجد الكثير من المؤسسات الحكومية في عالمنا العربي تقوم بطباعة المصحف الشريف بطريقة برايل.

صورة للمصحف بطريقة برايل

        • القراءة المتأنية الفاحصة: تتيح طريقة برايل للكفيف قراءة الكتب والمقررات الدراسية وتفحصها بشكل يمنحه تركيزاً على المحتوى أكثر من الاستماع إليه صوتيا.
        • تعلم اللغات الجديدة: من أكثر المواقف التي يستفيد فيها الكفيف من طريقة برايل حين يرغب في تعلم أي لغة جديدة، خصوصا حين يتعلق الأمر بمعرفة الحروف الهجائية وتهجئة الكلمات وتراكيب الجمل، كما يفيده في التدرب على القراءة بتلك اللغة وترداد ما يقرأ.
        • تدوين الملاحظات أثناء الاجتماعات أو المحاضرات: تتيح طريقة برايل، وخاصة المفكرات الإلكترونية، للكفيف أن يقوم بتدوين ملاحظاته أثناء تواجده في محاضرة أو اجتماع، دون إزعاج الآخرين ودون تشتيت نفسه بالاستماع لبرنامج قارئالشاشة.
        • التدقيق الإملائي: بطريقة برايل فقط يستطيع الكفيف تدقيق النصوص إملائياً واكتشاف أخطاء الكتابة الدقيقة، كالمسافات الزائدة والأخطاء المتعلقة بعلامات الترقيم، وهو ما لا يتأتى بالاستماع إلى النص صوتياً. ويستطيع الكفيف من خلال هذه الميزة الاشتغال بالوظائف التي تعتمد على الفحص الدقيق للنصوص المكتوبة، كالتدقيق اللغوي والترجمة وصياغة المحتوى والبرمجة.
        • تقديم العروض والمحاضرات: تتيح طريقة برايل للكفيف إمكانية التحدث إلى الجمهور وتقديم ما يريد من محاضرات أو عروض أو شروحات عن طريق قراءتها ببرايل  وتلاوتها على الجمهور.
        • العمل بالإعلام والقراءة الصوتية: تتيح طريقة برايل للكفيف العمل في مجال الإعلام مثل الراديو والتليفزيون وتجعله قادرا على قراءة نشرات الأخبار وتقديم البرامج. كما تسمح طريقة برايل للكفيف بأن يعمل في مجال التعليق الصوتي VoiceOver .
        • العمل بالوظائف التي تتطلب متابعة محتوى نصي: مثل العمل في مراكز خدمة العملاء ومراكز الاتصال لدى الشركات حيث يستطيع الكفيف الاستعانة بخط برايل لقراءة ما يود شرحه للعميل.
        • إجراء العمليات الحسابية وخاصة المعقدة منها.
        • قراءة اللافتات المعروضة بطريقة برايل: في بعض الدول يتم عرض اللافتات الإرشادية بطريقة برايل لمساواة للمكفوفين بأقرانهم من المبصرين.
        • التعرف على قوائم الطعام في المطاعم التي توفرها بطريقة برايل: يستطيع الكفيف التعرف بنفسه على قائمة الطعام دون الحاجة لشخص آخر يقرأها له.
        • الاستمتاع بالكثير من الألعاب: يستطيع المكفوفون الاستمتاع بالكثير من الألعاب عن طريق الكتابة عليها بطريقة برايل بجانب الكتابة العادية، ومن ثم يستطيعون لعب هذه الألعاب مع بعضهم البعض أو مع المبصرين أيضاً. ولا شك أن ذلك يساهم في مزيد من اندماج المكفوفين في المجتمع. ومن الجدير بالذكر أن هناك الكثير من الشركات والمواقع الإلكترونية التي تعنى ببيع مثل هذه الألعاب للمكفوفين.

ألعاب برايل

        • معرفة الدواء: تقوم الكثير من شركات الأدوية اليوم بطباعة اسم الدواء على العلبة بطريقة برايل، وبالتالي يستطيع الكفيف التعرف على نوع الدواء مباشرة بمجرد أن يقرأ المكتوب على العلبة.
        • الملصقات: يقوم بعض المكفوفون بالكتابة بطريقة برايل على الملصقات ومن ثم وضع هذه الملصقات على الأدوات أو الأشياء التي يستخدمونها بشكل دائم ليسهل تمييزها من غيرها والتعرف عليها فيما بعد.

صورة لملصقات برايل

  • كتابة النوتة الموسيقية وحفظها ومراجعتها.

الخاتمة

لقد فتحت القراءة والكتابة بطريقة برايل الباب أمام المكفوفين نحو محو الأمية والحرية الفكرية والفرص المتساوية وتحقيق مزيد من الخصوصية والاستقلالية. فنحن لا يمكننا أبداً أن نوجّه الأطفال القادرين على القراءة ألاّ يتعلموا الحروف الأبجدية لإن بإمكانهم مشاهدة الفيديو عوضاً عن ذلك، فذلك سيُعتبَر قصوراً فادحاً في العملية التعليمية بلا شك. فلماذا إذاً نسمح لأنفسنا باستخدام معايير مختلفة مع المكفوفين تحرمهم من متعة القراءة الحقيقية والشعور بالكلمة. ثم إن برايل لم يعُد ضخماً ومكلِّفاً كما كان في السابق، فقد نابه نصيبه أيضا من تقنيات العصر الحديث. فبعد أن كان الكتاب يُطبع في عشرات المجلدات الضخمة، أصبح من الممكن للشخص الكفيف أن يحمله معه إضافة إلى عشرات الكتب الأخرى في مفكرته الإلكترونية.

إن واجبنا الحتمي جميعاً – مؤسساتٍ وأفراد – أن نعمل جاهدين على نشر المعرفة بين المكفوفين، وأن نسعى بشتى الطرق لمحو أمية الكثيرين من الذين لا يجيدون القراءة والكتابة بطريقة برايل، وذلك بتسهيل الوصول إليها وتذليل كافة العقبات التي قد تقف في طريق الراغبين بتعلمها.