أنماط طريقة برايل
ذكرنا في تعريف برايل أن طريقة برايل هي أسلوب عالمي للقراءة باللمس وأنه يمكن تطويعها لأي لغة من لغات العالم. كما أشرنا إلى أنها تتكون من تشكيلات مختلفة من نقاط بارزة -أكثرها ستة وأقلها واحدة- داخل خلايا مستطيلة. ونظراً لقلة عدد التشكيلات الممكنة داخل الخلية الواحدة، فقد ظهرت الحاجة لتعدد أنماط القراءة والكتابة بطريقة برايل على حسب نوع المحتوى. فهناك مثلاً نمط خاص بالكتابة الأدبية العادية، ونمط خاص للرياضيات والعلوم، وآخر خاص بالموسيقى، وهكذا.
وفي طريقة برايل أيضا يكون الخط ثابت الحجم، أي أن النقاط لا يُمكِن أن يتم تكبير حجمها أو تصغيره كما هو الحال مع الطباعة العادية. ويؤدي هذا الأمر إلى أن الكتب التي تُطبَع بطريقة برايل تكون كبيرة الحجم وثقيلة الوزن. فمثلاً القرآن الكريم كاملاً تمت طباعته في ستة مجلدات كبيرة الحجم، أما سلسلة هاري بوتر، فقد قام البيت الأمريكي للطباعة بتحويلها إلى طريقة برايل في حوالي 56 مجلد. ومن ثم ظهرت الحاجة لابتكار طُرُق يتم فيها تصغير مساحة المحتوى المكتوب نوعاً ما.
وفيما يلي نلقي الضوء على اهم أنماط أو درجات كتابة وقراءة برايل وهي كما يلي:
برايل من الدرجة الأولى
يُطلق عليه أيضا برايل الأبجدي أو برايل الحرفي، أو برايل البسيط. وفيه يتم تمثيل كل حرف ورمز على حدا في خلية منفصلة. وعادةً ما يبدأ الأطفال والمبتدئون بتعلُم برايل الحرفي أولاً، كما يُستخدم في طباعة كتب الأطفال والطباعة على الملصقات واللافتات وغيرها من الأشياء شائعة الاستخدام. ويتميز هذا النمط بأنه سهل التعلم وسهل القراءة وشائع الاستخدام، وإن كان يعيبه أنه يأخذ حيزا أكبر على الورقة أو على السطر الإلكتروني وبالتالي يأخذ وقتا أطول من الكفيف لقراءته.
برايل من الدرجة الثانية
يُطلق عليه أيضا برايل بالاختصارات، أو برايل الأدبي. وفيه يتم اختصار بعض الكلمات أو التراكيب اللغوية الشائعة في خلية أو أكثر، بهدف تقليل مساحة الكتابة وتوفير الجهد. ويُستخدَم عادةً في طباعة الكُتُب المتقدمة والمناهج الدراسية للطلاب الأكبر سناً وغير ذلك من المحتوى النصي الأدبي. وهناك في اللغة العربية ما يزيد على 250 اختصاراً متنوعاً، يتعلم دارس برايل المتقدِم معظمها بالحفظ والممارسة المستمرة وهي لكلمات شائعة مثل “أو”، “بل”، “تلك”، “ثم”، “جدا”،”هذا”، “إلى”، وغير ذلك، أو لبعض التراكيب كثيرة الاستخدام مثل: “ال” التعريف، “ون” الجمع، وغيرها.
مثال
إذا أردنا أن نكتب جملة مثل: “ما هذا الذي يقول؟”، فإننا حين نكتبها ببرايل البسيط، ستأتي في 17 خلية، بحيث يكون كل حرف ومسافة وعلامة ترقيم في خلية مستقلة، وتُكتب هكذا: ⠍⠁⠀⠓⠮⠁⠀⠁⠇⠮⠊⠀⠊⠟⠺⠇⠦
أما بالاختصارات، فسيتقلص عدد الخلايا إلى 11، نظرا لاختصار بعض حروف تلك الجملة في خلايا أقل، بحيث تكتب هكذا: ⠐⠏⠀⠐⠓⠀⠐⠉⠀⠸⠊⠦
يتميز هذا النمط بأنه يأخذ حيزا أقل على الورقة أو على السطر الإلكتروني وبالتالي وقتا أقصر في قراءته وخصة بواسطة المتمرس. لكن يعيب هذا النمط أنه يحتاج إلى بعض الوقت للتعلم والتمرس عليه، كما أنه لا يكفي الكفيف معرفة الاختصارات الشائعة لاستخدام هذا النمط إلكترونياً.
برايل ذو الثمان نقاط
مع التقدم التكنولوجي ودخول برايل عالم الحاسوب، وخاصةً مع ظهور أسطر برايل الإلكترونية، ظهرت الحاجة إلى وجود خلية برايل أكبر لاستيعاب رموز الحاسوب الكثيرة. لذا تم إنشاء رموز برايل ذات الثمان نقاط، وهي تصلح للاستخدام مع أجهزة برايل الإلكترونية والطابعات التي تدعم خلايا ثمانية النقاط، بدلاً من سداسية النقاط التقليدية. توفر هذه الخلية إمكانية كتابة 255 تشكيلاً مختلفاً بدلاً من 64 في الخلية ذات الست نقاط، وتساعد في توفير فرصة أكبر لإيجاد نظائر للرموز الحاسوبية كأشكال الكائنات ورموز البرمجة والرياضيات المعقدة وغير ذلك من الاحتياجات التكنولوجية. ويُشار إلى أن موقعنا يُقدِّم أوَّل محاولة فعلية لإنشاء جدول برايل عربي ثماني النقاط متكامل يمكن الاطلاع على تفاصيله من خلال زيارة القسم الخاص به بالموقع.
برايل للعلوم والرياضيات
هناك شيفرة خاصة بكتابة العلوم والرياضيات، تُستخدَم عادةً في المحتوى الفني المُعَقَّد كالمعادلات الكيميائية أو المسائل الحسابية أو الكسور أو العمليات الهندسية أو الفيزياء وما شابه ذلك. ويكون القارئ عادةً على عِلم بأنه يقرأ محتوى فني دقيق، كما يكون قد تلقى التدريب المناسب على قراءة هذه الشيفرة. فمثلاً، توجد مجموعة رموز الرياضيات والعلوم الخاصة بخط برايل العربي، كما توجد طريقة عالمية لكتابة الرياضيات والعلوم تُعرَف بشفرة نيميث (Nemeth code).
ويُعتبر استخدام شيفرة نيميث في تمثيل رموز العلوم والرياضيات بطريقة برايل أكثر كفاءة نظراً لشموله على كافة فروع الرياضيات بما في ذلك الحساب والجبر والهندسة وعلم المثلثات والتحليل الوظيفي والحساب العادي والمتجه ومعادلات التفاضل والتكامل والجغرافيا والمحاسبة وأكثر من ذلك. ويُقدِّم موقعنا هذا لزواره دليلاً بسيطاً يُساعدهم على البداية في تعلُّم هذا النمط.
نمط برايل لكتابة الموسيقى
يستخدم هذا النمط تركيبات من نفس الخلية المكونة من ست نقاط – مثل طريقة برايل الحرفية – لتمثيل درجة وإيقاع كل نغمة، بحيث يمثل الصفان العلويان درجة النغمة ويستخدم الصف السفلي لتمثيل الإيقاع. وعادةً ما يحتاج قارئ الموسيقى الكفيف إلى تذكُّر ما يقرأه قبل أن يقوم بأداءه على آلته، وذلك لأنه عكس كتابة النوتة الموسيقية المطبوعة، فإنه يجب عليه قراءة الرموز من اليسار إلى اليمين، واحداً تلو الآخر، أي ليس لديه خاصية الفحص السريع للنوتة بشكل مصوَّر، كما أنه يصعب عليه القراءة بيد والعزف باليد الأخرى في نفس الوقت.
هناك أيضا إشكالية المساحة في كتابة الموسيقى، فالجملة الموسيقية الواحدة قد تأخذ حيزاً كبيراً بطريقة برايل، لذا فإن نمط برايل لكتابة الموسيقى يقدِّم مجموعة من العلامات والرموز التي تستخدم للإشارة إلى إعادة جملة ما أو جزء من جملة أو نغمة أو ما إلى ذلك. هناك أيضا مجموعة من الرموز التي يتم كتابتها في خليتين أو أكثر نظرا للحاجة لتمثيل عدد أكبر من الرموز الموسيقية.
الأبجدية الصوتية الدولية
الأبجدية الصوتية الدولية (International Phonetic Alphabet – IPA) هي محاولة لتمثيل كافة الأصوات الموجودة في كافة لغات العالم وكتابتها وترتيبها في أبجدية تعتمد في الأساس على الحروف اللاتينية وبعض الرموز المستعارة من الأبجدية الرومانية واليونانية، وهي مفيدة لمن يرغبون في التعرف على أصوات اللغات بدقة كالمغنين الراغبين في تعلم اللغات الأجنبية وغيرهم. وفي عام 1934، انطلقت مبادرة لمحاولة تمثيل تلك الأبجدية بطريقة برايل، وقد تم اعتمادها مؤخراً مِن قِبَل المجلس الدولي لبرايل الإنجليزي. وهو نمط تكميلي يمكن استخدامه وكتابته مع رموز برايل الأخرى في سياقه الخاص. لمزيد من المعلومات حول كيفية كتابته والحصول على قائمة برموزه، يُرجى زيارة هذا الموقع الإلكتروني.
اللغات الأجنبية
إذا كنت كفيفاً وترغب في تعلم القراءة والكتابة بلغة جديدة أو بصدد تعلمها، لا تقلق، فطريقة برايل منتشرة في كل دول العالم، وبالتالي هناك نمط برايل خاص بكل لغة، وذلك ليتمكن متحدثو تلك اللغات من المكفوفين من القراءة والكتابة. ويتم تهيئة وتكييف خلية برايل ذات الست نقاط لاستيعاب كل لغة على حدا بأبجديتها ورموزها الخاصة وكافة متطلباتها الأخرى. فاللغة العربية مثلا بها رموز للحروف الأبجدية والهمزات والتشكيل، وعلامات الترقيم وغير ذلك.
هذا يعني أن نفس الرمز في اللغة العربية قد يعني رمزاً مختلفا في الإنجليزية أو الصينية وغيرها، لذا يفترض أن يكون القارئ على علم مسبق بلغة نص برايل الذي يقرأه، لكن إذا لم يكن يعرف اللغة مسبقا، فلن يجد صعوبة في معرفة أن هذا النص بلغة أجنبية وقد يكون من السهل معرفة اللغة إذا كان يستطيع القراءة والكتابة بها. فإذا أراد الشخص الكفيف تعلُّم اللغة الإنجليزية مثلاً، فكل ما عليه هو الحصول على المادة مطبوعة بطريقة برايل، ومن ثَمّ يستطيع المشاركة في عملية التعلُم بشكل طبيعي أسوة بأقرانه ممن يقرأون المواد المطبوعة.
الجدير بالذكر أن لغات كثيرة من لغات العالم تحتوي على نمط برايل من الدرجة الأولى ونمط اختصارات ونمط من ثمان نقاط خاص بها.
ملاحظة: هناك كتاب صدر عام 2013 بمجهود مشترك بين معهد بيركينز للمكفوفين وخدمات مكتبة الكونجرس لذوي الإعاقة والمجلس الدولي لبرايل الإنجليزي قام بجمع أنماط برايل الخاصة بحوالي 113 لغة حول العالم، يمكن الوصول إليه عبر هذا الرابط.
مثال
إذا أردنا مثلاً أن نكتب بطريقة برايل العربية من الدرجة الأولى جملة “برايل هو طريق المعرفة”، فإنه سيتم تمثيلها هكذا: ⠃⠗⠁⠊⠇⠀⠓⠺⠀⠾⠗⠊⠟⠀⠁⠇⠍⠷⠗⠋⠡
أما بالإنجليزية، إذا أردنا أن نكتب عبارة مماثلة وهي: “braille is the path to literacy”، فإننا نكتبها هكذا: ⠃⠗⠁⠊⠇⠇⠑⠀⠊⠎⠀⠞⠓⠑⠀⠏⠁⠞⠓⠀⠞⠕⠀⠇⠊⠞⠑⠗⠁⠉⠽
لاحظ مثلاً كيف أن كلمة برايل تكاد تتشابه في الكتابة بين اللغتين. فحرف “ب” يشبه الحرف الإنجليزي “b” في تركيبة نقاطه، وحرف “ر” يشبه “r”، وحرف “ا” يشبه “a”، وهكذا. حاول أيضا أن تُلاحظ أنه ليست كل الحروف متشابهة بالطبع بل يحتاج الشخص لتعلُم الرموز الخاصة بحروف أي لغة ما ليتمكن من قراءتها.
الصور الملموسة
يتخطى استخدام برايل مجرد تمثيل الحروف الأبجدية والرموز وعلامات الترقيم، فهناك طرق لإنشاء رسومات بارزة ملموسة يمكن استخدامها مع الطلاب المكفوفين -خاصة في مرحلة التعليم الابتدائية- وغيرهم لتعزيز استيعابهم للأشكال الهندسية والخرائط وغير ذلك. ويمكن إنشاء خرائط بارزة ورسومات بيانية وأشكال ومجسمات ومخططات توضيحية وغيرها من الصور الملموسة إلا أن هذا الأمر ليس بسهولة إنتاج المحتوى النصي من برايل. فهناك اعتبارات كثيرة تدخل في هذا الأمر، أهمها الأداة المستخدمة في إنتاج تلك الصور، لأن بعضها قد يكون مكلفاً نوعا ما. وثانيها هو مدى احتياج الشخص الكفيف إلى هذا الرسم الملموس، وهل يمكن الاستغناء عنه بنظير نصي أم لا. وأخيراً مدى استفادة الشخص منه ومناسبته لبيئته والإرشادات والتعليمات المستخدمة في إنشاء هكذا رسم ملموس.